في حوار مع “الفنار للإعلام” المتخصص في شئون التعليم العالي، والصادر من لندن:
وزير التعليم العالي الدكتور/ خالد أحمد الوصابي يتحدث عن آثار الحرب على الجامعات، والبيئة التعليمية الحالية، وتأثير الظروف الاقتصادية على رواتب الأساتذة ومستحقات الطلاب المبتعثين.
_____________
منذ توليه مهام منصبه كوزير للتعليم العالي بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، في كانون الأول/ديسمبر 2020، يواجه الأكاديمي خالد الوصابي تحديات فرضتها الحرب التي يشهدها اليمن، والتي تصاعدت وتيرتها منذ العام 2015.
وطالت آثار الحرب منشآت جامعية، كما دفعت كثير من الأساتذة إلى الهجرة، فضلًا عن تأثيرها الاقتصادي في تهاوي العملة الوطنية، وتراجع قيمة رواتب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، كما يوضح الوزير اليمني في مقابلة خاصة مع «الفنار للإعلام».
مع اشتداد الحرب بين الحوثيين في صنعاء، وقوات الحكومة المعترف بها، انتقلت وزارة التعليم العالي، مع غيرها من الوزارات، إلى عدن، كعاصمة مؤقتة. ومع عدم وجود مخصصات مالية لتجهيز مؤسسات جديدة، باتت الوزارة تفتقر إلى كادر فني وإداري مؤهل، وصارت تعتمد على خريجين جدد من جامعة عدن، بحسب الوزير.
ويوضح، في المقابلة التي أجريناها عبر تطبيق «زووم»، أن الوزارة «لديها موازنة صفرية»، مشيرًا إلى انعدام المخصصات المالية منذ العام 2015، وأنها تعتمد على 20% من آليات موازنة العام 2014. ويضيف: «مع كل هذه التحديات نعتبر ما يحدث إنجازًا بشكل عام، نظرًا لكوننا قادرين على العمل وسط هذه الظروف الصعبة». ويقول إن ميزانية وزارة التعليم العالي، والتعليم الفني، لا تتعدى مليون دولار سنويًا، وهي وزارة تمثل وزارتين في الأساس، وفق تعبيره.
* إعادة إعمار الجامعات اليمنية
وتأثرت جميع الجامعات اليمنية بالحرب، بشكل مباشر وغير مباشر؛ فبعض الجامعات، في المناطق الآمنة (حيث لا توجد اشتباكات) مثل حضرموت وسيئون، تأثرت بانقطاع الميزانية لثلاث سنوات، وتوقف العمل في البنى التحتية، بالإضافة إلى عدم القدرة على تعيين أعضاء في هيئة التدريس، وعدم وجود ميزانيات لتشغيل المعامل، وانهيار منظومات المياه والكهرباء. ويتابع خالد الوصابي أنه في المناطق الأخرى التي تعرضت للقصف، توجد منشآت منهارة في جامعات عدن وتعز.
وعن حقيقة المساعي المعلنة لإعادة إعمار تلك الجامعات، أجاب بالقول: لا توجد برامج حقيقية محلية أو دولية، حتى الآن، لإعادة الإعمار، وهناك دعم محدود من بعض المنظمات لترميم بعض المباني بالحد الأدنى لاستكمال الدراسة.
ولم يتوقف تأثير الحرب عند هذا الحد، حيث توقفت برامج الجودة والاعتماد الاكاديمي التي قطعت فيها وزارة التعليم العالي شوطًا كبيرًا فيها، حتى عام 2014. ويقول «الوصابي»، العميد السابق لكلية العلوم التطبيقية بجامعة تعز، ونائب وزير التعليم العالي اليمني في الفترة ما بين 2017 وحتى أواخر 2020، إنه لم يتم تشكيل مجلس الاعتماد الأكاديمي في عدن بعد، بينما تعيش برامج الجامعات اليمنية حالة فوضوية جراء ضعف سلطات الدولة، بحسب قوله.
* الرسوم الدراسية بالجامعات الحكومية والخاصة
ويعزو وزير التعليم العالي اليمني الاحتجاجات التي جرت العام الماضي، ضد ارتفاع الرسوم الدراسية بالجامعات الخاصة، إلى ضعف الدخل السنوي للمواطن اليمني مع تراجع سعر العملة الوطنية. ويوضح أن رسوم الدراسة في البلاد تعد الأقل على مستوى العالم، حيث تبلغ الرسوم الدراسية في كلية الطب البشري بالجامعات الخاصة نحو ألفي دولار. ويضيف أنه تم الاتفاق مع الجامعات الخاصة والحكومية على تحصيل الرسوم الدراسية بالعملة الوطنية.
وتطرق الوزير، في مقابلتنا معه، إلى أوضاع طلاب اليمن المبتعثين في الخارج. وقال إن عددهم يبلغ نحو 4,800 طالب. وأجاب عن سؤالنا حول علة تأخر صرف مستحقاهم، بالقول إن الأمر يتعلق بظروف الحرب، حيث تراجعت صادرات اليمن النفطية من 600 ألف برميل يوميًا قبل الحرب، إلى نحو 50 ألف برميل يوميًا في الوقت الراهن. ومع ذلك، تحاول الدولة – والكلام للوزير – تلبية مستحقات المبتعثين بقدر الإمكان.
كما يشير إلى تقليص الإنفاق على قطاع الابتعاث الخارجي، في الوقت الراهن، حيث تبلغ مستحقات المبتعثين حاليًا نحو 7 ملايين دولار كل ثلاثة أشهر، مقابل 12 مليون دولار في العام 2019. ويقول إنه يأمل في استكمال صرف المستحقات المتأخرة للطلاب المبتعثين خلال الأشهر المقبلة.
وحول ملف الجامعات الخاصة، وضوابط عملها، يشير إلى إصدار الوزارة، منذ نحو عام، قرارًا بوقف اعتماد أية جامعات جديدة، وتشكيل لجان للنزول الميداني للمرور على الجامعات المرخصة قبل ذلك ورفع تقارير أكاديمية بشأنها. وفيما يقول إنه غير راضٍ عن وضع الجامعات الحكومية والخاصة، يوضح أن المخالفات القائمة تشمل عدم توفير كادر أكاديمي للتدريس، وتأجيل مقررات دراسية، وعدم الالتزام بمفردات المنهج المقرر، وإطلاق برامج غير مرخصة من الوزارة.
ويقول الوزير: «لدينا ظروف طاردة لأعضاء هيئات التدريس، ونأمل أن يستقر الوضع لكي يعودوا مرة أخرى إلى وطنهم». وفي مقابل الموقف الرافض لقرارات الجامعات اليمنية بفصل الأساتذة المنقطعين عن العمل، نظرًا لوجودهم بالخارج، يرى وزير التعليم العالي اليمني الوصابي أن «القانون فوق الجميع»، مضيفًا: «إذا كان من حق عضو هيئة التدريس تحسين مستواه المعيشي في الخارج، فإنه مطالب بالتزامات تجاه الدولة التي أنفقت عليه، حيث تبلغ تكلفة تأهيل عضو هيئة التدريس ما بين 100 إلى 200 ألف دولار. لا يمكن أن تقوم الدولة بالإنفاق دون أن تخدمها وترد لها الجميل» على حد قوله.
* جامعات شبه فارغة
وأمام هذه المعضلة بين البحث عن فرص أفضل بالخارج هربًا من الأوضاع التي خلفتها الحرب، وفقدان الوظيفة الجامعية في الوطن الأم، يشير الوزير إلى ما يصفه بالحل الوسط، وهو أن يسافر عضو هيئة التدريس إلى الخارج، كمتفرغ، لمدة سنة يتقاضى خلالها راتبه، ثم عامين آخرين دون راتب، على أن يعود بعد ذلك إلى جامعته بكامل مستحقاته المالية، حتى يستفيد غيره، وفق تعبيره. ويقول إن بقاء أعضاء هيئة التدريس بالخارج، بينما تحتاج الجامعات الوطنية إلى كوادر تدريسية، أمر مرفوض من جانب الوزارة. ويضيف أن الجامعات شبه فارغة حاليًا من أعضاء هيئة التدريس في كليات الطب، والهندسة، وتكنولوجيا المعلومات.
وعن أزمة تدني رواتب أساتذة الجامعات، يقول الوزير إن هناك مساعٍ لمعالجة الأمر، عبر بعض العلاوات. ويوضح أن راتب عضو هيئة التدريس بلغ قرابة 1,500 دولار أمريكي قبل الحرب، بينما وصل الآن إلى نحو 200 دولار أمريكي، ولذلك يضطر الكثير منهم للسفر إلى الخارج.
وعن واقع البحث العلمي في المؤسسات الأكاديمية، يقول خالد الوصابي إنه لا توجد موازنة للبحث العلمي بشكل مباشر، لكن لا يخلو نشاط أكاديمي من دعم البحث العلمي، كالابتعاث، أو العمل البحثي للطلاب وأعضاء هيئة التدريس. وردًا على سؤال حول موقع الجامعات اليمنية في التصنيفات الدولية لمؤسسات التعليم العالي، يوضح الأكاديمي اليمني أن جامعات بلاده تأتي في مرتبة متأخرة في التصنيفات ولا تغيب عنها. ويقول إنهم باتجاه تشكيل تصنيف وطني للجامعات اليمنية، والمشاركة في التصنيف الموحد للجامعات العربية.
ويشرح خالد الوصابي الأمر، بالنسبة للتصنيفات الدولية، قائلًا إنها تعتمد على معايير لا تنطبق على الجامعات اليمنية راهنًا، بسبب تبعات الحرب، مثل: تقلص البحث العلمي، وانهيار البنية التحتية، وعدم استضافة طلاب، أو أساتذة أجانب.